حول الإنقلابيين :
إن الخطاب النقدي الثوري الإنقلابي خطاب مقبول عادة من الطبقات الإجتماعية المقهورة.. ومن كل مناهض للنظام القائم، وأيضا من كل الشباب المراهق ، والذي لم يبن بعد مستقبله، وهكذا نجد العديد من الجماعات الإسلامية لعبت على هاته الوتيرة لتكثير سوادها وأتباعها : فنجدها وقد بسطت الدعوة إلى الإسلام قد استقطبت العديد من الأميين والعاطلين وذوي الدخل المحدود والفقراء، ومن أجل هذا صارت وكأنها حركات طبقية تثير في أتباعها الحقد على كل من له علاقة بالنظام، لحد تكفير الحكومات وكل موظفيها..وكل بديلها ينبني على التخطيط للوصول للسلطة، أو للقيام بقومة عارمة تعصف بالنظام القائم، ومهما تكن حسناته فهي لاتركز إلا على السلبيات ..مما جعل الأنظمة ترى في وجودها خطرا عميقا فحاربتها في بعض الدول العربية لحد إعدام زعمائها..كما طوقت تحركاتها حكومات أخرى ..لكنها رغم ذلك ظلت قائمة في عقول العديد من الإسلاميين..لحد التنظيمات السرية والعمل بالكواليس ضد النظام.
وإن كان خطابها وعظيا يحث في ظاهره على الإلتزام بالشريعة فرادى وجماعيا ومجتمعاتيا..فإن كتابات العديد من زعمائها تستعصي على السواد الأعظم..ولا تلاقي قبولا ملحوظا في فكرنا الإسلامي، وعادة ما تفتقر أساليبها لعمق الفكرة وعلمية الإستنباط وأدبية التحليل ..والعديد من كتاباتها تبقى إنشائية لزرع الحماس اللازم لها،وذنبها الكبيرفي تعاميها عن كل حسنات الحكم القائم وجهلها ببعده الديني الإسلامي تاريخيا.. مما جعل بعضها تقدم لنا إسلاما رجعيا رافضا لكل مظاهر التمدن والحضارة باسم أو بآخر.لكنا لاننكر فضائلها في تخليق العديد من أتباعها بمبادئ الإسلام الأولى كالصلاة والبعد عن كل بؤر الردائل..
وتعد هاته الجماعات قوة عتيدة للأمة إذا ما غيرت هدفها من معاداة حكامها إلى معاداة أعداء الأمة..لأن كل الأنظمة القائمة اليوم في البلدان الإسلامية ولو كانت عمليا بعيدة عن الشريعة، فهي لاتناهض الإسلام وربما الجهل بحقيقته هو سبب تشبتها الكبير بالعلمانية..ولهذا ترى من يضرب في كل حسناتها متنطعا وانتهازيا همه السلطة لاغير.. وهذا مايبرر القبضة الحديدية للعديد من الحكام على كل تحركاتها لحد فصل أتباعها من الوظائف وسجن آخرين وعدم الإعتراف رسميا بها.
وقدأوصى العديد من الفقهاء بعدم طاعة هؤلاء الزعماء وسماهم بفقهاء الفتنة ، ومثلوا أخطارهم تماما كفقهاء السلطة الذين يبيحون مناكر الحكومات ويسكتون على بواطلها : »فالحذر إذن لازم من علماء السلطة وعلماء الفتنة معا » وكما جاء في الأثر : »سلطان غشوم خير من فتنة تدوم » وهناك العديد من الأحاديث الناهية عن مناهضة الحكام ما أعلنوا إسلامهم كما كان موقف إبن تيمية الإصلاحي من حكام عصره إنطلاقا من قوله صلى الله عليه وسلم : »أطيعوهم ما أقاموا الصلاة فيكم ».
ولهذا فإن هاته الجماعات الإنقلابية وإن كانت قد حققت العديد من المكاسب تاريخيا محققة بعض أهدافها،فإن خطرها داهم في المجتمعات الإسلامية التي تعرف بعض الإستقرار وتوجد بها حركات إسلامية أخرى تبنت الإصلاح لا الإنقلاب..وفي رأيها أن مجتمعاتنا لاتحتاج لهدم كامل ثم بناء جديد بقدر ما تعد كقاطرات فقدت مسارها قليلا، ويجب العمل على إعادتها لسكة الإسلام الصحيح والحضاري في ظل الواقع الراهن، وبكل تجديد... ولهذا فهي تؤاخذ الجماعات الإنقلابية على نقدها الشامل الشعاراتي ،والتصلب على الوصول للسلطة دون مراعاة خطر الفتن التي ربما أتت على الأخضر واليابس :كما هو حال العديد من المجتمعات الإسلامية التي تخالفت فيها الآراء لحد تشابك الأيادي والقتال بين المسلمين بل وبين الإسلاميين بكل دقة..فصارت مذهبيتنا الإسلامية متوترة بهاته التناقضات لتفقد وجهة العدو الخارجي إلى الإصرار على الخلاف الداخلي جاعلة من المسلمين العلمانيين هدفا رئيسيا، بينما العلمانية العربية وإن وجبت خصومتها فإن العداوة لها غير حكيمة :ونصف العلمانيين يملأون مساجدنا في كل الصلوات. فتشتتت المذهبية بين حركة فلان وجماعة علان، وكل متصلب لرأيه يرى فيه الصواب المطلق دون براهين علمية وفقهية ثابتة.مما جعلهم لايومنون بالرأي المخالف والإجتهاد المتنوع. ولا بدراسة أسلوب تفكير الآخر بما ذلك اللأنظمة القائمة..ليأخذ هؤلاء صفة المنكرين والمشينين لاالمصلحين الباحثين حقا عن البديل الإسلامي إنطلاقا من القرآن الكريم والسنة الشريفة بكل تجديد وحضارة .
فإصلاح أي نظام بالإسلام يقتضي :
ـ فهم ظروفه التاريخية وموقفه من الإسلام
ـ الوعي بالضغوطات الخارجية عليه للبقاء على علمنته
ـ فهم مشاكله الحقيقية داخليا وخارجيا
ـ دراسة كل تياراته السياسية والثقافية والإجتماعية
ـ الوعي بنظامه الإقتصادي
ـ البحث عن أسباب ابتعاده عن تطبيق الشريعة.
فللإصلاح إذن مداه العالمي والتاريخي وإلا فلن يزداد الإشكال إلا تشكلا وخطورة ..وللسياسة اليوم علوم واجبة قبل أن ننادي ببديلنا السياسي :
ففي الوقت الذي يفرض النظام نفسه بتسلسل تاريخي ونظرة حضارية كاملة عليها العديد من البصمات الإسلامية ،يقفز بعض المفكرين متقمصين الدفاع على الشعب وعلى الإسلام نافين الفرق الكبير بين الدول الكافرة والدول التي أرغمتها الظروف التاريخية والمعاصرة على التنكر لبعض نصوص الشريعة خصوصا..فيعاملونها كدولة كافرة بإطلاق ..وعوض أن يدرس هؤلاء المفكرين اجتهاداتهم مع أولي الذكر والعلم :نجدهم ينزلون رؤاهم للجماهير لتشكيل جماعات مناوئة للنظام بآراء أحادية ، في الوقت الذي تكون الدولة أعلم بحدود هذا الإجتهاد : بما في ذلك سواد هانه الجماعات الذي يجمع بين الصالح والطالح والمومن والمنافق والمصلح حقا والإنتهازي والمستقيم والجاهل بالأبجديات الأولى للإسلام. والمشحون فقط بالشعارات الثورية والحماس الزائد.مما جعل السلطات الرسمية تقمع هاته الجماعات دون مراعاة لحسناتها كذلك :
فـ : »قف على كرسيك لأحكم مكانك » شعار دنئ لايمت للإصلاح الحق بصلة ،وارتكاز أناني على تقديس الذات والرأي الشخصي والفهم الأحادي وقنابل فاتنة : « والفتنة أشد من القتل ».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق